فتاوى الطهارة
التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الطهارة > المياه والنجاسات
الفتوى رقم: ١١٨٩
الصنف: فتاوى الطهارة - المياه والنجاسات
في حكم فرشاة الطلاء المصنوعة مِنْ شعر الخنزير
السؤال:
شركةٌ تستورد مِنَ الصين الشعرَ لصناعةِ فرشاة الطِّلاء، علمًا أنَّ نسبةَ شعرِ الخنزير فيه تبلغ ٤%؛ فما حكمُ صناعتها واستعمالها وبيعِها؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإذا كان المقصود بالسؤال: حُكْمَ صناعةِ فرشاةٍ للطِّلاء مِنْ شعر الخنزير واستعمالها وبيعِها؛ فإنَّ الحكم فيها يرجع ـ أساسًا ـ إلى صفة شعر الخنزير: أهو طاهر أم نجس؟ والمُعتمَد ـ عندي ـ أنَّ شعر الخنزير وغيرِه طاهرٌ، وهو مذهب المالكية وغيرِهم؛ لأنَّ الشعور المجزوزةَ دون أصولها ممَّا لا تَحُلُّه الحياةُ، وإذا كانَتْ كذلك وَجَب حكمُ الإباحة لبقاء الطهارة ـ وهي الوصف الشرعيُّ المعهود ـ لعدَمِ وجود المُزيل لها؛ بناءً على أنَّ «الأَصْلَ فِي الأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ»، ولا يُعْدَل عن هذا الأصلِ إلَّا بدليلٍ.
وتفريعًا على هذا القولِ بطهارةِ شعر الخنزير فيتقرَّر جوازُ استخدامِ هذه الفرشاة المصنوعة مِنَ الشعور مطلقًا والتصرُّفِ فيها بالبيع والهِبَة وغيرِهما مِنْ سائر التصرُّفات المالية، وهذا خلافًا لمذهب الجمهور القاضي بنجاسة شعر الخنزير.
ويؤيِّد ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ هذا القولَ بالإباحة والجواز بما نصُّه: «والقول الراجح هو طهارة الشعور كُلِّها: شعرِ الكلب والخنزير وغيرِهما، بخلاف الرِّيق؛ وعلى هذا فإذا كان شعرُ الكلب رطبًا وأصاب ثوبَ الإنسان فلا شيءَ عليه كما هو مذهبُ جمهور الفقهاء: كأبي حنيفة ومالكٍ وأحمد في إحدى الروايتين عنه؛ وذلك لأنَّ «الأَصْلَ فِي الأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ» فلا يجوز تنجيسُ شيءٍ ولا تحريمُه إلَّا بدليلٍ؛ كما قال تعالى: ﴿وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِ﴾ [الأنعام: ١١٩]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥]، وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ بِالمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»(١)، وفي السنن عن سلمان الفارسيِّ مرفوعًا ـ ومنهم مَنْ يجعله موقوفًا ـ أنه قال: «الحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»(٢)، وإذا كان كذلك فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا [أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ]»(٣)، وفي الحديث الآخَر: «إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ..»(٤)؛ فأحاديثُه كُلُّها ليس فيها إلَّا ذِكرُ الولوغ، لم يذكر سائرَ الأجزاء؛ فتنجيسُها إنما هو بالقياس؛ فإذا قِيلَ: إنَّ البول أعظمُ مِنَ الرِّيق كان هذا متوجِّهًا، وأمَّا إلحاق الشعر بالرِّيق فلا يمكن؛ لأنَّ الرِّيق متحلِّلٌ مِنْ باطن الكلب، بخلاف الشعر فإنه نابتٌ على ظهره؛ والفقهاءُ كُلُّهم يفرِّقون بين هذا وهذا؛ فإنَّ جمهورهم يقولون: إنَّ شعر الميتة طاهرٌ بخلاف ريقها، والشافعيُّ وأكثرُهم يقولون: إنَّ الزرع النابت في الأرض النجسة طاهرٌ؛ فغايةُ شعر الكلب أَنْ يكون نابتًا في مَنْبَتٍ نجسٍ كالزرع النابت في الأرض النجسة؛ فإذا كان الزرع طاهرًا فالشعرُ أَوْلى بالطهارة؛ لأنَّ الزرع فيه رطوبةٌ ولينٌ يظهر فيه أثرُ النجاسة، بخلاف الشعر فإنَّ فيه مِنَ اليبوسة والجمود ما يمنع ظهورَ ذلك؛ فمَنْ قال مِنْ أصحاب أحمد كابن عقيلٍ وغيرِه: «إنَّ الزرع طاهرٌ» فالشعرُ أَوْلى، ومَنْ قال: «إنَّ الزرع نجسٌ» فإنَّ الفرق بينهما ما ذُكِر؛ فإنَّ الزرع يُلْحَق بالجلَّالة التي تأكل النجاسة، وهذا ـ أيضًا ـ حجَّةٌ في المسألة؛ فإنَّ الجلَّالة التي تأكل النجاسةَ قد نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن لبنها فإذا حُبِسَتْ حتَّى تطيب كانَتْ حلالًا باتِّفاق المسلمين؛ لأنها قبل ذلك يظهر أثرُ النجاسة في لبنها وبيضها وعرقها فيظهر نتنُ النجاسة وخُبثُها؛ فإذا زال ذلك عادَتْ طاهرةً؛ فإِنَّ الحكم إذا ثَبَت بعلَّةٍ زال بزوالها؛ والشعرُ لا يظهر فيه شيءٌ مِنْ آثار النجاسة أصلًا؛ فلم يكن لتنجيسه معنًى؛ وهذا يتبيَّن بالكلام في شعور الميتة كما سنذكره إِنْ شاء الله تعالى؛ وكُلُّ حيوانٍ قِيلَ بنجاسته فالكلامُ في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب؛ فإذا قِيلَ بنجاسةِ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباع وكُلِّ ذي مِخْلبٍ مِنَ الطير إلَّا الهرَّةَ وما دونها في الخِلْقة ـ كما هو مذهبُ كثيرٍ مِنَ العلماء: علماءِ أهل العراق وهو أشهرُ الروايتين عن أحمد ـ فإنَّ الكلام في ريشِ ذلك وشعرِه فيه هذا النزاع: هل هو نجسٌ؟ على روايتين عن أحمد: إحداهما: أنه طاهرٌ وهو مذهب الجمهور كأبي حنيفة والشافعيِّ ومالكٍ، والروايةُ الثانية: أنه نجسٌ كما هو اختيارُ كثيرٍ مِنْ متأخِّري أصحاب أحمد؛ والقولُ بطهارةِ ذلك هو الصوابُ كما تقدَّم»(٥).
هذا، وإذا جاز استعمالُ الفرشاة المصنوعةِ مِنْ شعر الخنزير وملامسةُ شعره الرطب بلا حرجٍ ولا مضرَّةٍ ـ على الراجح مِنْ قولَيِ العلماء ـ وخاصَّةً أنَّ نسبةَ شعره ضئيلةٌ إذا ما قُورِنَتْ بالكثرة؛ إذ المعلومُ أنَّ «الحُكْمَ لِلْغَالِبِ»؛ ومع ذلك فإِنْ عَمِل بالحيطة في الدين بالابتعاد عمَّا اختُلِف في تحريمِه والتنزُّهِ عنه كان أَوْلى وأحرى؛ جريًا على قاعدةِ: «الخُرُوجُ مِنَ الخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ»؛ فلا يتعامل بالأعيان المختلَفِ في نجاستها وتحريمها ولا يتصرَّف فيها التصرُّفَ الماليَّ إلَّا في حدود الحاجة؛ عملًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»(٦).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٦ شوَّال ١٤٣٨هـ
الموافق ﻟ: ٢٠ يوليو ٢٠١٧م
(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ ما يُكرَهُ مِنْ كثرة السؤال وتكلُّفِ ما لا يَعنِيه (٧٢٨٩)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٥٨)، مِنْ حديثِ سعد بنِ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الترمذيُّ في «اللباس» بابُ ما جاء في لُبْسِ الفِراء (١٧٢٦)، وابنُ ماجه في «الأطعمة» بابُ أكلِ الجبن والسَّمْن (٣٣٦٧)، مِنْ حديثِ سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه مرفوعًا. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣١٩٥).
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ بمعناه في «الوضوء» باب الماء الذي يُغْسَل به شعرُ الإنسان (١٧٢)، ومسلمٌ في «الطهارة» (٢٧٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وما بين المعقوفين مِنْ زيادة مسلمٍ.
(٤) تمامُه: «.. في إناء أحدكم..» [أخرجه مسلمٌ (٢٧٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه] أو «.. في الإناء..» [أخرجه مسلمٌ (٢٨٠) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ المُغفَّل رضي الله عنه].
(٥) «الفتاوى الكبرى» (١/ ٢٦٤ ـ ٢٦٦) و«مجموع الفتاوى» (٢١/ ٦١٧ ـ ٦١٩) كلاهما لابن تيمية.
(٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابُ فضلِ مَنِ استبرأ لدِينِه (٥٢)، ومسلمٌ في «المساقاة» (١٥٩٩)، مِنْ حديثِ النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما..
الفتوى رقم: ٥٧٨
الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية
في حكم الاشتراك في الأضحية
السؤال:
ما حُكمُ الشرعِ في الاشتراك في الأضحية سواءٌ مِنْ حيث الثمنُ أو مِنْ حيث الثوابُ، وذلك في البَدَنَة والبقرة والشِّيَاه، خاصَّةً وأنَّ حديثَ جابرٍ رضي الله عنه تَطرَّق للحديث عن البَدَنة والبقرة فقط(١)؟
• هل تَمَّ الاشتراكُ في الأُضحية في عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم خاصَّةً في الشاة؟
• هل أجمع العلماءُ خاصَّةً الأئمَّة الأربعة على عدم الاشتراك في الشاة مِثْل ما جاء في «بداية المجتهد»(٢)؟
• هل تَكلَّم العلماءُ في الاشتراك في الشاة ممَّنْ كانَتْ تجمعهم نفقةٌ واحدةٌ أي: أنَّ ربَّ البيت يأخذ كُلَّ شهرٍ نصيبًا مِنِ ابنه للنفقة على البيت وحين يَحِلُّ العيدُ يأخذ مِنْ ذلك لشراء الشاة؟
• هل يصحُّ الاستدلالُ بحديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه: «كُنَّا وَقُوفًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِعَرَفَةَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍّ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»»(٣)، وسندُه حَسَنٌ عند بعضِ العلماء، إلَّا أنَّنا سَمِعْنا أنه ضعيفٌ على هذا المنوال، وإنما الصحيحُ قولُه ابتداءً مِنْ: «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ…».
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالاشتراكُ في البَدَنة والبقرة جائزٌ لِمَا أخرجه الخمسةُ إلَّا أبا داود مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً»(٤)، والحديثُ يَدُلُّ على جواز الاشتراك بالعدد المخصوص: سبعة أنفارٍ للبقرة، وعشر أَنْفُسٍ للبَدَنة، ويشهد له ما في الصحيحين مِنْ حديثِ رافع بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أنهُ صلَّى الله عليه وسلَّم «عَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ»(٥).
أمَّا الشاة فالاشتراك فيها محلُّ خِلافٍ بين أهل العلم، وذَهَب بعضُ أهلِ العلم إلى أنَّ الشاة لا تُجْزئ إلَّا عن نفسٍ واحدةٍ، وهو قولُ عبد الله بنِ المبارَك وغيرِه مِنْ أهل العلم، وقد ادَّعى كُلٌّ مِنِ ابنِ رُشْدٍ والنوويِّ الإجماعَ على ذلك، وهو إجماعٌ مُنْتَقِضٌ بما حكاه الترمذيُّ في «سُنَنِه» أنَّ الشاة تجزئ عن أهل البيت، قال: «والعملُ على هذا عند أهل العلم»، وهو قولُ أحمد وإسحاق، واحتجَّا بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»»(٦).
وأصحُّ الأقوال أنَّ الشاة تجزئ عن المضحِّي وأهلِ بيته لِمَا رواه ابنُ ماجه والترمذيُّ وصحَّحه مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: «كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى»(٧)، غير أنَّ المضحِّيَ يحصل على الثواب أصالةً وأهلَ بيته تُجْزئهم بالتَّبَعِ، ودليلُه حديثُ رافع بنِ خَدِيجٍ وحديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم، ففيهما دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ البعير يجزئ عن العشرة بذواتهم وأعيانهم حقيقةً؛ إذ ليس مقرونًا بلفظِ أهلِ البيت المذكور في حديثِ أبي أيُّوب رضي الله عنه السابق، فإنَّ ذلك يفيد دخولَهم بالتبع والإضافة لا بالأصالة والحقيقة، ويؤيِّد ما ذكَرْنا أنَّ الزوجة مثلًا لو تَمَتَّعَتْ بالحجِّ أو قَرَنَتْ لَمَا كان يكفي هديُ زوجها في الإجزاء عنها؛ فَدَلَّ على أنَّ إجزاءه في الأضحية ليس بالأصالة، وثوابُ الأصيل فوق ثواب التابع كما لا يخفى.
أمَّا حديثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه فقَدْ أخرجه أبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ وغيرُهم وفي إسناده أبو رملة واسْمُه عامرٌ، قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: هو مجهولٌ والحديثُ ضعيفُ المَخْرَج(٨)، وقال أبو بكر بنُ العربيِّ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ: «حديثُ مِخْنَفِ بنِ سُلَيْمٍ ضعيفٌ فلا يُحتجُّ به»(٩)، كما ضعَّفه عبد الحقِّ وابنُ القطَّان لعلَّةِ الجهل بحالِ أبي رملة، ورواه عنه ابنُه حبيبُ بنُ مِخْنَفٍ وهو مجهولٌ أيضًا(١٠)، وقد رواه مِنْ هذا الطريقِ عبدُ الرزَّاق في «مصنَّفه»، ومِنْ طريق عبد الرزَّاق رواه الطبرانيُّ في «معجمه» بسنده، والبيهقيُّ في «المعرفة»؛ لذلك حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود»(١١) وفي «صحيح سنن الترمذي»(١٢) وفي «صحيح ابن ماجه»(١٣).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٧ ذو الحجَّة ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ أفريل ١٩٩٧م
(١) انظر أحاديثَ جابرٍ رضي الله عنه التي رواها مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٣، ١٣١٨).
(٢) (١/ ٤٢٠).
(٣) أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابُ ما جاء في إيجاب الأضاحي (٢٧٨٨)، والترمذيُّ في «الأضاحي» (١٥١٨)، والنسائيُّ في «الفَرَع والعتيرة» (٤٢٢٤)، وابنُ ماجه في «الأضاحي» باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٥)، مِنْ حديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه. وقوَّاه ابنُ حجرٍ في «الفتح» (٩/ ٥٩٧)، والأرناؤوط في تحقيق «جامع الأصول» (٣/ ٣١٦)، وحسَّنه الألبانيُّ في «المشكاة» ـ التحقيق الثاني ـ (١٤٧٨).
(٤) أخرجه الترمذيُّ في «الأضاحي» بابُ ما جاء في الاشتراك في الأضحية (١٥٠١)، والنسائيُّ في «الضحايا» بابُ ما تجزئ عنه البَدَنةُ في الضحايا (٤٣٩٢)، وابنُ ماجه في «الأضاحي» باب: عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ (٣١٣١)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه ابنُ القطَّان في «الوهم والإيهام» (٥/ ٤١٠)، وقال ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٣٠٤): «جميعُ رجالِه ثِقَاتٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «المشكاة» (١٤٦٩).
(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الشركة» بابُ قسمةِ الغنم (٢٤٨٨)، ومسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٨)، مِنْ حديثِ رافع بنِ خديجٍ رضي الله عنه.
Commentaires
Enregistrer un commentaire