Accéder au contenu principal

فتاوى الطهارة

التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الطهارة > المياه والنجاسات الفتوى رقم: ١١٨٩ الصنف: فتاوى الطهارة - المياه والنجاسات في حكم فرشاة الطلاء المصنوعة مِنْ شعر الخنزير السؤال: شركةٌ تستورد مِنَ الصين الشعرَ لصناعةِ فرشاة الطِّلاء، علمًا أنَّ نسبةَ شعرِ الخنزير فيه تبلغ ٤%؛ فما حكمُ صناعتها واستعمالها وبيعِها؟ وجزاكم الله خيرًا. الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فإذا كان المقصود بالسؤال: حُكْمَ صناعةِ فرشاةٍ للطِّلاء مِنْ شعر الخنزير واستعمالها وبيعِها؛ فإنَّ الحكم فيها يرجع ـ أساسًا ـ إلى صفة شعر الخنزير: أهو طاهر أم نجس؟ والمُعتمَد ـ عندي ـ أنَّ شعر الخنزير وغيرِه طاهرٌ، وهو مذهب المالكية وغيرِهم؛ لأنَّ الشعور المجزوزةَ دون أصولها ممَّا لا تَحُلُّه الحياةُ، وإذا كانَتْ كذلك وَجَب حكمُ الإباحة لبقاء الطهارة ـ وهي الوصف الشرعيُّ المعهود ـ لعدَمِ وجود المُزيل لها؛ بناءً على أنَّ «الأَصْلَ فِي الأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ»، ولا يُعْدَل عن هذا الأصلِ إلَّا بدليلٍ. وتفريعًا على هذا القولِ بطهارةِ شعر الخنزير فيتقرَّر جوازُ استخدامِ هذه الفرشاة المصنوعة مِنَ الشعور مطلقًا والتصرُّفِ فيها بالبيع والهِبَة وغيرِهما مِنْ سائر التصرُّفات المالية، وهذا خلافًا لمذهب الجمهور القاضي بنجاسة شعر الخنزير. ويؤيِّد ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ هذا القولَ بالإباحة والجواز بما نصُّه: «والقول الراجح هو طهارة الشعور كُلِّها: شعرِ الكلب والخنزير وغيرِهما، بخلاف الرِّيق؛ وعلى هذا فإذا كان شعرُ الكلب رطبًا وأصاب ثوبَ الإنسان فلا شيءَ عليه كما هو مذهبُ جمهور الفقهاء: كأبي حنيفة ومالكٍ وأحمد في إحدى الروايتين عنه؛ وذلك لأنَّ «الأَصْلَ فِي الأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ» فلا يجوز تنجيسُ شيءٍ ولا تحريمُه إلَّا بدليلٍ؛ كما قال تعالى: ﴿وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِ﴾ [الأنعام: ١١٩]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥]، وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ بِالمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»(١)، وفي السنن عن سلمان الفارسيِّ مرفوعًا ـ ومنهم مَنْ يجعله موقوفًا ـ أنه قال: «الحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»(٢)، وإذا كان كذلك فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا [أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ]»(٣)، وفي الحديث الآخَر: «إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ..»(٤)؛ فأحاديثُه كُلُّها ليس فيها إلَّا ذِكرُ الولوغ، لم يذكر سائرَ الأجزاء؛ فتنجيسُها إنما هو بالقياس؛ فإذا قِيلَ: إنَّ البول أعظمُ مِنَ الرِّيق كان هذا متوجِّهًا، وأمَّا إلحاق الشعر بالرِّيق فلا يمكن؛ لأنَّ الرِّيق متحلِّلٌ مِنْ باطن الكلب، بخلاف الشعر فإنه نابتٌ على ظهره؛ والفقهاءُ كُلُّهم يفرِّقون بين هذا وهذا؛ فإنَّ جمهورهم يقولون: إنَّ شعر الميتة طاهرٌ بخلاف ريقها، والشافعيُّ وأكثرُهم يقولون: إنَّ الزرع النابت في الأرض النجسة طاهرٌ؛ فغايةُ شعر الكلب أَنْ يكون نابتًا في مَنْبَتٍ نجسٍ كالزرع النابت في الأرض النجسة؛ فإذا كان الزرع طاهرًا فالشعرُ أَوْلى بالطهارة؛ لأنَّ الزرع فيه رطوبةٌ ولينٌ يظهر فيه أثرُ النجاسة، بخلاف الشعر فإنَّ فيه مِنَ اليبوسة والجمود ما يمنع ظهورَ ذلك؛ فمَنْ قال مِنْ أصحاب أحمد كابن عقيلٍ وغيرِه: «إنَّ الزرع طاهرٌ» فالشعرُ أَوْلى، ومَنْ قال: «إنَّ الزرع نجسٌ» فإنَّ الفرق بينهما ما ذُكِر؛ فإنَّ الزرع يُلْحَق بالجلَّالة التي تأكل النجاسة، وهذا ـ أيضًا ـ حجَّةٌ في المسألة؛ فإنَّ الجلَّالة التي تأكل النجاسةَ قد نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن لبنها فإذا حُبِسَتْ حتَّى تطيب كانَتْ حلالًا باتِّفاق المسلمين؛ لأنها قبل ذلك يظهر أثرُ النجاسة في لبنها وبيضها وعرقها فيظهر نتنُ النجاسة وخُبثُها؛ فإذا زال ذلك عادَتْ طاهرةً؛ فإِنَّ الحكم إذا ثَبَت بعلَّةٍ زال بزوالها؛ والشعرُ لا يظهر فيه شيءٌ مِنْ آثار النجاسة أصلًا؛ فلم يكن لتنجيسه معنًى؛ وهذا يتبيَّن بالكلام في شعور الميتة كما سنذكره إِنْ شاء الله تعالى؛ وكُلُّ حيوانٍ قِيلَ بنجاسته فالكلامُ في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب؛ فإذا قِيلَ بنجاسةِ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباع وكُلِّ ذي مِخْلبٍ مِنَ الطير إلَّا الهرَّةَ وما دونها في الخِلْقة ـ كما هو مذهبُ كثيرٍ مِنَ العلماء: علماءِ أهل العراق وهو أشهرُ الروايتين عن أحمد ـ فإنَّ الكلام في ريشِ ذلك وشعرِه فيه هذا النزاع: هل هو نجسٌ؟ على روايتين عن أحمد: إحداهما: أنه طاهرٌ وهو مذهب الجمهور كأبي حنيفة والشافعيِّ ومالكٍ، والروايةُ الثانية: أنه نجسٌ كما هو اختيارُ كثيرٍ مِنْ متأخِّري أصحاب أحمد؛ والقولُ بطهارةِ ذلك هو الصوابُ كما تقدَّم»(٥). هذا، وإذا جاز استعمالُ الفرشاة المصنوعةِ مِنْ شعر الخنزير وملامسةُ شعره الرطب بلا حرجٍ ولا مضرَّةٍ ـ على الراجح مِنْ قولَيِ العلماء ـ وخاصَّةً أنَّ نسبةَ شعره ضئيلةٌ إذا ما قُورِنَتْ بالكثرة؛ إذ المعلومُ أنَّ «الحُكْمَ لِلْغَالِبِ»؛ ومع ذلك فإِنْ عَمِل بالحيطة في الدين بالابتعاد عمَّا اختُلِف في تحريمِه والتنزُّهِ عنه كان أَوْلى وأحرى؛ جريًا على قاعدةِ: «الخُرُوجُ مِنَ الخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ»؛ فلا يتعامل بالأعيان المختلَفِ في نجاستها وتحريمها ولا يتصرَّف فيها التصرُّفَ الماليَّ إلَّا في حدود الحاجة؛ عملًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»(٦). والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. الجزائر في: ٢٦ شوَّال ١٤٣٨هـ الموافق ﻟ: ٢٠ يوليو ٢٠١٧م (١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ ما يُكرَهُ مِنْ كثرة السؤال وتكلُّفِ ما لا يَعنِيه (٧٢٨٩)، ومسلمٌ في «الفضائل» (٢٣٥٨)، مِنْ حديثِ سعد بنِ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه. (٢) أخرجه الترمذيُّ في «اللباس» بابُ ما جاء في لُبْسِ الفِراء (١٧٢٦)، وابنُ ماجه في «الأطعمة» بابُ أكلِ الجبن والسَّمْن (٣٣٦٧)، مِنْ حديثِ سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه مرفوعًا. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣١٩٥). (٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ بمعناه في «الوضوء» باب الماء الذي يُغْسَل به شعرُ الإنسان (١٧٢)، ومسلمٌ في «الطهارة» (٢٧٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وما بين المعقوفين مِنْ زيادة مسلمٍ. (٤) تمامُه: «.. في إناء أحدكم..» [أخرجه مسلمٌ (٢٧٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه] أو «.. في الإناء..» [أخرجه مسلمٌ (٢٨٠) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ المُغفَّل رضي الله عنه]. (٥) «الفتاوى الكبرى» (١/ ٢٦٤ ـ ٢٦٦) و«مجموع الفتاوى» (٢١/ ٦١٧ ـ ٦١٩) كلاهما لابن تيمية. (٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابُ فضلِ مَنِ استبرأ لدِينِه (٥٢)، ومسلمٌ في «المساقاة» (١٥٩٩)، مِنْ حديثِ النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما..
أشرطة الشيخ: المنتقى من الفتاوى الشرعية > المنتقى من الفتاوى الشرعية 45 التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الأشربة والأطعمة > الأضحية  الفتوى رقم: ١١٦٢ الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية في أفضل الأنعام في الأضحية السؤال: هل تجوز الأضحية بالمعز؟ وما هو الأفضلُ في الأضحية؟ وجزاكم الله خيرًا. الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فلا يجزئ في الأضحية إلَّا بهيمةُ الأنعام؛ لقوله تعالى: ﴿لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰم﴾ [الحج: ٣٤]، وهي أزواجٌ ثمانيةٌ تصحُّ مِنَ الجنسين(١)، متمثِّلةً في: الجمل والناقة، والثور والبقرة، والكبش والنعجة، والتيس والعنز، ولكِنْ لا يجزئ مِنَ المعز إلَّا الثنيُّ وهو ما له سنةٌ فما فوقه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»(٢)، وأمَّا الجَذَعُ مِنَ المعز فقَدْ نَقَل ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ إجماعَ العلماء على عدمِ إجزائها في الأضحية(٣). وأفضلُ الضحايا ـ عند الجمهور ـ يظهر على هذا الترتيب: الإبل ثمَّ البقر ثمَّ الغنم، وهذا الأخير على نوعين: الضأن ويليه المعز، وممَّا استدلُّوا به قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، ..»(٤)، وعلَّلوا الأفضليةَ بغلاء الثمن وهي علَّةٌ منصوصةٌ في حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟» قَالَ: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»(٥)، ولا يخفى أنَّ الإبل والبقر أعلى ثمنًا وَأكثرُ نفعًا وأكبرُ أجسامًا وأعودُ فائدةً: حُمولةً وطعمًا. وخالَفَ في ذلك المالكيةُ ورتَّبوا الأفضليةَ على علَّة طِيب اللحم، فكان أفضلُها: الضأنَ ثمَّ البقر ثمَّ الإبل، واستدلُّوا على ذلك بقوله تعالى: ﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧﴾ [الصافَّات]، أي: بكبشٍ عظيمٍ، ولأنَّ: «النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ..»(٦)، وهو صلَّى الله عليه وسلَّم لا يفعل إلَّا الأفضل. والظاهر ـ عندي ـ أنَّ مذهب الجمهور أقوى تقديمًا لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على فعلِه، ولأنه ـ بغضِّ النظر عن استدلالهم بالدليل المبيِّن لمَقامِ الأفضلية بين بهيمة الأنعام ـ فقد علَّلوا أفضليةَ الترتيب بعلَّةٍ منصوصٍ عليها، بينما المالكية علَّلوا بعلَّةٍ مُستنبَطةٍ، وما هو مقرَّرٌ ـ أصوليًّا ـ في بابِ قواعدِ الترجيح بالمعاني أنَّ العلَّة المنصوص عليها مقدَّمةٌ على غير المنصوص عليها؛ لأنَّ نصَّ صاحبِ الشرع عليها دليلٌ على صحَّتها وتنبيهٌ على لزوم اتِّباعها، ولأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد يترك الأفضلَ لبيانِ الجواز أو لِفِعْلِ الأيسر، ولكِنْ يمكن توجيهُ مذهب المالكية على أنَّ المضحِّيَ بالضأن أفضلُ مِنَ الشريك المُقاسِمِ في الإبل أو في البقر، وهو رأيٌ له اعتبارُه ووجاهتُه. هذا، وإذا كان الأفضلُ في أنواع بهيمة الأنعام ما رتَّبه الجمهورُ، وتقرَّرَتْ صحَّةُ الأضحية مِنَ الجنسين إلَّا أنَّ التضحية بالذَّكَر أفضلُ منها بالأنثى؛ لعمومِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أفضل الرِّقاب: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا». أمَّا لون الأضحية فأفضلُها البيضاء (العفراء) وهي أفضلُ مِنَ السوداء؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضحَّى بكبشين أملحين، والأملح: الأبيض الخالص البياض(٧)، وإذا كان السوادُ حول عينيها وفمِها وفي رجلَيْها أَشْبَهَتْ أضحيةَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٨)، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «أفضلُها البيضاء ثمَّ الصفراء ثمَّ الغبراء ـ وهي التي لا يصفو بياضُها ـ ثمَّ البلقاء ـ وهي التي بعضُها أبيضُ وبعضها أسودُ ـ ثمَّ السوداء، وأمَّا قولُه في الحديث الآخَرِ: «يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ»(٩) فمعناه أنَّ قوائمه وبطنَه وما حول عينيه أسودُ»(١٠). والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. الجزائر: ١٣ رمضان ١٤٣٤ﻫ الموافق ﻟ: ٢٢ جويلية ٢٠١٣م (١) لقوله تعالى: ﴿ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٤٣وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَا﴾[الأنعام: ١٤٣ـ ١٤٤]. هذا، وليس في ترتيب الضأن والمعز قبل الإبل والبقر في الآية تقديم أفضلية لنوعها، وإنما هو أسلوبٌ قرآنيٌّ بديعٌ يتجلَّى فيه الترقِّي من الأدنى إلى الأعلى. (٢) أخرجه مسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٣) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. (٣) انظر: «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٢٣/ ١٨٥). (٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجمعة» بابُ فضلِ الجمعة (٨٨١)، ومسلمٌ في «الجمعة» (٨٥٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. (٥) أخرجه أحمد (٢١٥٠٠)مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١١٠٥)، وفي روايةٍ: «أَعْلَاهَا ثَمَنًا...»: أخرجها البخاريُّ في «العتق» باب: أيُّ الرِّقاب أفضلُ؟ (٢٥١٨)، وفي أخرى: «وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا..»: أخرجها مسلمٌ في «الإيمان» (٨٤). (٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأضاحي» بابُ وضعِ القدم على صَفْحِ الذبيحة (٥٥٦٤)، ومسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٦)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه. (٧) انظر: «شرح مسلم» للنووي (١٣/ ١٢٠). (٨) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٦/ ٣٠٨). (٩) أخرجه مسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٧) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. (١٠) «شرح مسلم» للنووي (١٣/ ١٢٠)..
الفتوى رقم: ٥٤٤ الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية في حكم تخصيص الأكل مِنَ الكبد في الأضحية السؤال: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يُفْطِرُ في الأضحى حتَّى يأكلَ مِنْ أضحيتِه، فهل الأكلُ عامٌّ في أيِّ جزءٍ مِنَ الأُضحية أم ـ كما يقول العامَّةُ ـ مِنَ الكَبِدِ؟ وما حكمُ تخصيصِ الأكلِ مِنَ الكبد؟ وبارك الله فيكم. الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فالثابتُ مِنْ حديثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ»(١)، وفي روايةٍ: «وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَذْبَحَ»(٢)، وفي روايةٍ: «وَلَا يَطْعَمُ يَوْم النَّحْرِ حَتَّى يَنْحَرَ»(٣)، وفي روايةٍ: «حَتَّى يُضَحِّيَ»(٤)، وفي حديثٍ آخَرَ: «وَكَانَ لَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ»(٥)، وزاد أحمد وغيرُه: «فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ»(٦). والحكمةُ مِنْ فِعْلِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مُوافَقَتُهُ للفقراء ـ كما ذَهَب إليه أهلُ العلم ـ؛ لأنَّ الظاهرَ أَنْ لا شيءَ لهم إلَّا ما أطعَمَهُمُ النَّاسُ مِنْ لحومِ الأضاحِي، وهو متأخِّرٌ عن الصَّلاة، بخلاف صدقةِ الفِطْرِ، فإنها متقدِّمةٌ عن الصلاة، وقد ذُكِرَتْ حِكمةٌ أخرى وهي: لِيَكُونَ أَوَّلُ ما يَطْعَمُ مِنْ أضحيته بأكلها شكرًا لله تعالى على ما أنعم به مِنْ شرعية النسيكة الجامعةِ لخير الدنيا وثواب الآخرة، وامتثالًا لقوله تعالى: ﴿فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ ٢٨﴾ [الحج]، سواءٌ قِيلَ بوجوبه أو بِسُنِّيَّته، وقد خصَّص بعضُ أهلِ العلم استحبابَ تأخيرِ الأكل في عيد الأضحى حتَّى يرجع بمَنْ له ذِبحٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذْ أخَّر الفطرَ في الأضحى إنما أَكَل مِنْ ذبيحته(٧). هذا، وقد وَرَدَتْ سُنَّتُهُ في مُطْلَقِ الأكلِ مِنْ غيرِ تحديدِ عُضْوٍ أو تخصيصِ مَوْضِعٍ، وإنما استحبَّ الأكلَ مِنْ كَبِدِ ذبيحته بعضُ العلماء كالشافعيِّ(٨) وغيرِه اعتمادًا على حديثِ بُرَيْدة رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا كَانَ يَوْمُ الفِطْرِ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَأْكُلَ شَيْئًا، وَإِذَا كَانَ الأَضْحَى لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا حَتَّى يَرْجِعَ، وَكَانَ إِذَا رَجَعَ أَكَلَ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَتِهِ»، والحديثُ ضعيفٌ لا تقوم به حجَّةٌ(٩)، غير أنَّ استحباب الأكل مِنَ الكبد خاصَّةً جارٍ العملُ به في العادة لكونِ الكبدِ أخفَّ الأعضاءِ انتزاعًا وأسرعَ نُضْجًا وأسهلَ هضمًا. والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. الجزائر في: ٢٦ من ذي القعدة ١٤٢٧ﻫ الموافق ﻟ: ١٧ ديسمبر ٢٠٠٦م (١) أخرجه الترمذيُّ في «العيدين» بابٌ في الأكل يومَ الفطر قبل الخروج (٥٤٢) مِنْ حديثِ بُرَيْدة بنِ الحُصَيب الأسلميِّ رضي الله عنه. قال ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٥/ ٧٠): «حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «مشكاة المصابيح» (١٤٤٠). (٢) أخرجه ابنُ خزيمة (١٤٢٦)، وأحمد (٢٣٠٤٢)، والبيهقيُّ في «الكبرى» (٦١٥٩). وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٤٨٤٥)، وحسَّنه الأعظميُّ في تحقيقه ﻟ «صحيح ابنِ خزيمة» ومحقِّقو «مسند أحمد». (٣) أخرجه ابنُ حبَّان (٢٨١٢). وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في «صحيح ابنِ حبَّان» (٢٨١٢)، وصحَّحه الألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٢٨٠١). (٤) رواها أبو بكر الأثرم، [انظر: «نيل الأوطار» (٣/ ٣٤٤)]. (٥) أخرجه ابنُ ماجه في «الصيام» بابٌ في الأكل يومَ الفطر قبل أَنْ يخرج (١٧٥٦) مِنْ حديثِ بُرَيْدة بنِ الحُصَيب الأسلميِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح ابن ماجه». (٦) أخرجه أحمد (٢٢٩٨٤)، والبيهقيُّ في «السنن الصغرى» (٦٨٩) وفي «الكبرى» (٦١٦٠)، والدارقطنيُّ (١٧١٥)، وحسَّنه محقِّقو «المسند» (٣٨/ ٨٨). (٧) انظر: «مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للمباركفوري (٥/ ٤٥). (٨) انظر: «الأمَّ» للشافعي (٢/ ٢١٧). (٩) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٦١٦١)، وقد ذَكَر الذهبيُّ في «ميزان الاعتدال» (٣/ ٨٦) تضعيفَ أحَدِ رواته. والحديثُ بزيادة الأكل مِنْ كبِدِ الأضحية ضعيفٌ لعلَّتين: الأولى: الوليد بنُ مسلمٍ وهو القُرَشيُّ مولاهم أبو العبَّاس الدمشقيُّ، ثِقَةٌ لكنَّه كثير التدليس والتسوية، [«التقريب» (٧٥٠٦)]. الثانية: عقبة وهو ابنُ عبد الله الأصم الرفاعيُّ العبديُّ البصريُّ: ضعيفٌ وربَّما دلَّس، [«التقريب» (٤٦٧٦)]. وقد ضعَّف الألبانيُّ هذه الزيادةَ كما في «سُبُل السلام» بتعليقاته عليه (٢/ ٢٠٠) حيث قال: «هذه الزيادةُ ضعيفةٌ؛ لأنها مِنْ رواية عقبة بنِ الأصمِّ عن ابنِ بريدة؛ وهو عقبة بنُ عبد الله الأصمِّ: ضعيفٌ، كما في «التقريب»».
الفتوى رقم: ٥٧٨ الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية في حكم الاشتراك في الأضحية السؤال: ما حُكمُ الشرعِ في الاشتراك في الأضحية سواءٌ مِنْ حيث الثمنُ أو مِنْ حيث الثوابُ، وذلك في البَدَنَة والبقرة والشِّيَاه، خاصَّةً وأنَّ حديثَ جابرٍ رضي الله عنه تَطرَّق للحديث عن البَدَنة والبقرة فقط(١)؟ • هل تَمَّ الاشتراكُ في الأُضحية في عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم خاصَّةً في الشاة؟ • هل أجمع العلماءُ خاصَّةً الأئمَّة الأربعة على عدم الاشتراك في الشاة مِثْل ما جاء في «بداية المجتهد»(٢)؟ • هل تَكلَّم العلماءُ في الاشتراك في الشاة ممَّنْ كانَتْ تجمعهم نفقةٌ واحدةٌ أي: أنَّ ربَّ البيت يأخذ كُلَّ شهرٍ نصيبًا مِنِ ابنه للنفقة على البيت وحين يَحِلُّ العيدُ يأخذ مِنْ ذلك لشراء الشاة؟ • هل يصحُّ الاستدلالُ بحديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه: «كُنَّا وَقُوفًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِعَرَفَةَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍّ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»»(٣)، وسندُه حَسَنٌ عند بعضِ العلماء، إلَّا أنَّنا سَمِعْنا أنه ضعيفٌ على هذا المنوال، وإنما الصحيحُ قولُه ابتداءً مِنْ: «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ…». الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فالاشتراكُ في البَدَنة والبقرة جائزٌ لِمَا أخرجه الخمسةُ إلَّا أبا داود مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً»(٤)، والحديثُ يَدُلُّ على جواز الاشتراك بالعدد المخصوص: سبعة أنفارٍ للبقرة، وعشر أَنْفُسٍ للبَدَنة، ويشهد له ما في الصحيحين مِنْ حديثِ رافع بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أنهُ صلَّى الله عليه وسلَّم «عَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ»(٥). أمَّا الشاة فالاشتراك فيها محلُّ خِلافٍ بين أهل العلم، وذَهَب بعضُ أهلِ العلم إلى أنَّ الشاة لا تُجْزئ إلَّا عن نفسٍ واحدةٍ، وهو قولُ عبد الله بنِ المبارَك وغيرِه مِنْ أهل العلم، وقد ادَّعى كُلٌّ مِنِ ابنِ رُشْدٍ والنوويِّ الإجماعَ على ذلك، وهو إجماعٌ مُنْتَقِضٌ بما حكاه الترمذيُّ في «سُنَنِه» أنَّ الشاة تجزئ عن أهل البيت، قال: «والعملُ على هذا عند أهل العلم»، وهو قولُ أحمد وإسحاق، واحتجَّا بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»»(٦). وأصحُّ الأقوال أنَّ الشاة تجزئ عن المضحِّي وأهلِ بيته لِمَا رواه ابنُ ماجه والترمذيُّ وصحَّحه مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: «كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى»(٧)، غير أنَّ المضحِّيَ يحصل على الثواب أصالةً وأهلَ بيته تُجْزئهم بالتَّبَعِ، ودليلُه حديثُ رافع بنِ خَدِيجٍ وحديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم، ففيهما دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ البعير يجزئ عن العشرة بذواتهم وأعيانهم حقيقةً؛ إذ ليس مقرونًا بلفظِ أهلِ البيت المذكور في حديثِ أبي أيُّوب رضي الله عنه السابق، فإنَّ ذلك يفيد دخولَهم بالتبع والإضافة لا بالأصالة والحقيقة، ويؤيِّد ما ذكَرْنا أنَّ الزوجة مثلًا لو تَمَتَّعَتْ بالحجِّ أو قَرَنَتْ لَمَا كان يكفي هديُ زوجها في الإجزاء عنها؛ فَدَلَّ على أنَّ إجزاءه في الأضحية ليس بالأصالة، وثوابُ الأصيل فوق ثواب التابع كما لا يخفى. أمَّا حديثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه فقَدْ أخرجه أبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ وغيرُهم وفي إسناده أبو رملة واسْمُه عامرٌ، قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: هو مجهولٌ والحديثُ ضعيفُ المَخْرَج(٨)، وقال أبو بكر بنُ العربيِّ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ: «حديثُ مِخْنَفِ بنِ سُلَيْمٍ ضعيفٌ فلا يُحتجُّ به»(٩)، كما ضعَّفه عبد الحقِّ وابنُ القطَّان لعلَّةِ الجهل بحالِ أبي رملة، ورواه عنه ابنُه حبيبُ بنُ مِخْنَفٍ وهو مجهولٌ أيضًا(١٠)، وقد رواه مِنْ هذا الطريقِ عبدُ الرزَّاق في «مصنَّفه»، ومِنْ طريق عبد الرزَّاق رواه الطبرانيُّ في «معجمه» بسنده، والبيهقيُّ في «المعرفة»؛ لذلك حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود»(١١) وفي «صحيح سنن الترمذي»(١٢) وفي «صحيح ابن ماجه»(١٣). والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. الجزائر في: ٧ ذو الحجَّة ١٤١٧ﻫ الموافق ﻟ: ١٥ أفريل ١٩٩٧م (١) انظر أحاديثَ جابرٍ رضي الله عنه التي رواها مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٣، ١٣١٨). (٢) (١/ ٤٢٠). (٣) أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابُ ما جاء في إيجاب الأضاحي (٢٧٨٨)، والترمذيُّ في «الأضاحي» (١٥١٨)، والنسائيُّ في «الفَرَع والعتيرة» (٤٢٢٤)، وابنُ ماجه في «الأضاحي» باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٥)، مِنْ حديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه. وقوَّاه ابنُ حجرٍ في «الفتح» (٩/ ٥٩٧)، والأرناؤوط في تحقيق «جامع الأصول» (٣/ ٣١٦)، وحسَّنه الألبانيُّ في «المشكاة» ـ التحقيق الثاني ـ (١٤٧٨). (٤) أخرجه الترمذيُّ في «الأضاحي» بابُ ما جاء في الاشتراك في الأضحية (١٥٠١)، والنسائيُّ في «الضحايا» بابُ ما تجزئ عنه البَدَنةُ في الضحايا (٤٣٩٢)، وابنُ ماجه في «الأضاحي» باب: عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ (٣١٣١)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه ابنُ القطَّان في «الوهم والإيهام» (٥/ ٤١٠)، وقال ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٣٠٤): «جميعُ رجالِه ثِقَاتٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «المشكاة» (١٤٦٩). (٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الشركة» بابُ قسمةِ الغنم (٢٤٨٨)، ومسلمٌ في «الأضاحي» (١٩٦٨)، مِنْ حديثِ رافع بنِ خديجٍ رضي الله عنه.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

الأخلاق المذمومة

سورة الأنفال 008 - الدرس (28-30): تفسير الآيات 69 - 72